اقعد؛ فظنّ المأمور أنه يأمره بالوثوب ففعل وتردّى إلى أسفل فهلك، وعند ذلك قيل: من دخل ظفار حمّر". ولا يترك البيروني هذا الخبر والمثل بدون تعليق فيقول: "بل لو قيل: من ملك ظفار، فتفنن، فخاطب (١) كل إنسان بما يعرف، كان أصوب".
ولم ينس البيروني كلمة "توائم" في بيت المرقش فشرحها ثم رجع إلى رد خبر تطير التبابعة باسم الجزع محتجًّا بشاعر يمني وهو امرؤ القيس فقال: "ولو كان ما حكي من تشاؤم ملوك اليمن صدقًا لازداد على طول الأيام، ولاشتهر في العوام فتأسوا بهم، وتخلقوا بأخلاقهم. ونحن نرى شعراءهم لا يزالون يصفون الجزع، فلا يتحرّجون عن ذكره، ولا يتطيّرون به. وهذا امرؤ القيس من أبناء ملوك كندة يقول:
كأنَّ عيون الوحش حول بيوتنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقَّب"
وأتى بعد ذلك بتسعة أبيات في الجزع لأمرئ القيس والفرزدق وأبي الطمحان القيني ولبيد بن ربيعة والصنوبري وغيرهم (ص ١٧٧ - ١٧٩).
وبذلك تضخّمت الثروة الشعرية في كتاب الجماهر الذي يبلغ عدد صفحاته ٢٨٢ صفحة ويربو عدد الأبيات التي وردت فيه على (٣٦٠) بيت، وتتضاعف أهميّة الكتاب إذا عرفت أنه يحتوي على كثير من الأبيات التي لا تعثر عليها في الدواوين المطبوعة. فيجب على من يصنع ديوانًا لشاعر من شعراء العصر الجاهلي أو القرون الأربعة الأولى للهجرة أن ينظر في كتاب الجماهر على أن يجد ما يسدّ به ثغرًا.
بل لو راجع أديب فارسي كتاب الجماهر لم يرجع خالي الوفاض، وزوّده صاحبنا ببيتين من الشعر الفارسي أحدهما للغضائري من كبار الشعراء المتّصلين بالحضرة الغرنوية من معاصري البيروني (ص ٨٠) والآخر قول شاعر سمّاه
(١) كذا في الجماهر بالفاء. ولعلّ الصواب بدونها أو "فليخاطب".