الخطيب البارع يقف في الجُنْدِ المتباطئ، ويصفُ له ما ينالُه الأبطالُ من عِزَّةٍ يوم يعيشون، أو سعادةٍ يوم يموتون، فينقلبُ التَّرَدُّدُ عَزْمًا صارمًا، والإحجامُ هجومًا رائعًا.
الخطيب البارع يقف في الجماعة الخاملةِ، فيهزُّ قلوبَهم هَزًّا، فإذا هي ناهضةٌ من خُمُولها، عاملةٌ لإعلاء ذِكْرِها، مُقْتَحِمَةٌ كلَّ عقبةٍ تقوم في طريقها.
الخطيب البارع يقف بين قومٍ نشؤوا في بيئةٍ مغبرة جهلاً وعَمَاية، أو تلقَّتهم دُعَاة الغَوَاية، قبل أن تألفَ الحقَّ بَصَائِرُهم، ويَشتدَّ في العلم ساعدُهم، فلا يبرح يعرِض عليهم سُبُلَ الهداية في استوائها ونقائها، فإذا هم الرِّجَالُ المصلحون، أو الزعماء الناصحون.
الخطيب البارع يقف بين طائفتين استعرت بينهما نارُ العداوة، ولم يبق بينهم وبين أن يصبح لونُ الأرضِ أحمرَ قانيًا إلا شِبْرٌ أو ذراع، فيذكِّرهم بعواقب التَّدَابر، وينذرهم مصارعَ التقاتل، فإذا القلوب راجعةٌ إلى ائتلافها، والسيوفُ عائدةٌ إلى أغمادها.
والشعراءُ يقرِنون الخطابةَ بالسيف لتشابههما في إعلاء كلمة الحق، وحَمْل النفوس الجامحة على أن تعود إلى السكينة والنِّظَام، وهذا أحد الشعراء يسمِّي فعل السيف خُطْبَةً فيقول:
السيفُ أصدقُ مِنْ زيادٍ خُطْبَةً ... في الحَرْبِ إن كانت يمينُك مِنْبَرَا