تَشرُف العلومُ والصنائع بمقدار ما تشرُف غاياتها. وللخَطَابة غايةٌ ذاتُ شأنٍ خطيرٍ، وهي إرشاد الناس إلى الحقائق، وتشويقِهم إلى ما ينفعهم في هذه الحياة، وفي تلك الحياة.
والخطابة معدودةٌ في وسَائلِ السِّيَادَة والزَّعَامة، سمع الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - زيادًا يخطُب -وكان زيادٌ لا يدَّعي يومئذٍ لأبي سفيان- فقال:"لو كان هذا الفتى قُرَشِيًّا لَسَاق العربَ بعصاه". وكانوا يعدُّونها شرطًا للإمارة، ألا ترون إلى عبيد الله بن زياد -وكان خطيبًا على لُكْنَة في لسانه- كيف يقول:"نِعْمَ الشيءُ الإمارةُ، لولا قَعْقَعَةُ البُرُد، والتَّشَزُّنُ للخطب".
وقد عُنِي الإسلام بالخطابة إذ شَرَعها في أيام الجُمَع والأعياد ومواسم الحَجِّ، شَرَع الخطابةَ وما شرعها إلا ليتولاها ذو نَبَاهَةٍ وعِلْمٍ وبلاغة: