كان للعربِ في الجاهلية خطابةٌ أدبية، ولكنهم كانوا يقدِّمون الشاعر على الخطيب من جهة أن الشعر أعلقُ بالأذهان، وأسرعُ تقلُّبًا في البلاد، فهو أرفع صوتًا بمفاخرهم، وأكثرُ إذاعةً لمثالب أعدائِهم. وتقديمُ العرب للشَّاعر على الكاتب، وإقبالُهم على حفظ الشعر أكثر من إقبالهم على حفظ الخطب، كان السببَ في قلة ما وصل إلينا من خطبهم في الجاهلية.
والخطب التي يمكننا أن نستخلصَ منها صورةَ الخطابة في ذلك العهد، هي هذه الخطب التي تُؤثَر في كتب الأدب والتاريخ، كخطب وفود العرب عند كسرى، ثم هذه الخطب المرويَّة في كتب السيرة النبوية لزعماء العرب، الذين يَفِدون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبدأ اعتناقهم للإسلام.
والنظرُ إلى جملة هذه الخطب، يجعلنا على ثقةٍ من أنَّ الخطابة قبل الإسلام كانت بهذه المنزلة المناسبة لأمةٍ هي إلى البداوة أقرب منها إلى