يقفُ الخطيبُ بمكانٍ مرتفعٍ لكي يمتدَّ صوتُه إلى مدًى أبعدَ مما يبلغه لو كان قائمًا بمكانٍ مُسَاوٍ لمقاعدِ المستمعين، ومن دواعي ارتفاع الخطيب أن يشهدَ الحاضرون إشاراتِه الممثِّلة لبعض المعاني المعقولة. ووقوفُ الخطيب بمرأى من المستمعين يدعوهم إلى الإقبال عليه بأوفى مما لو كانوا يسمعون حديثَه وهو غائبٌ عن أبصارهم.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة مُسنِدًا ظهرَه إلى جِذْعٍ منصوبٍ في المسجد، ثم أَمَر فَصُنِعَ له منبرٌ من طَرْفَاءِ الغَابة، وكان المنبرُ مُرَكَّبًا من ثلاثة درج، وبقي بهذه الهيئة حتى زاده مروان في خلافة معاوية سِتَّ درجات من أسفله، وقال:"إنما زِدْتُ فيه حين كَثُرَ الناس".
وكان العرب يخطبون مِنْ قيامٍ، ولا يخالفون هذه العادةَ إلا في خطبة النكاح؛ فإنهم يُلقُونَها مِنْ جلوسٍ؛ إذ ليس مِنْ شأنِها أن تحتوي معانيَ تدعو الحاجةُ إلى أن يَسمَعها جميعُ الحاضرين.