وكان عليه الصلاة والسلام يخطُب قائمًا، وكذلك كان شأنُ الخلفاء الراشدين، وروي أنَّ معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - خَطَب جالسًا، وذكروا في وجه الاعتذار عنه أنه جَلَس للخطبة حينما ثَقُلَ جِسْمُه. وروى مسلمٌ في صحيحه أنَّ عبد الرحمن بن الحكم خَطَب في يوم جمعةٍ قاعدًا، فأنكرَ عليه بعض الصحابة، وقال: انظروا إلى هذا يخطُب قاعدًا والله تعالى يقول: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} ... [الجمعة: ١١].
وقد اتفق العلماء على أنَّ القيام في الخطبة مشروعٌ، وإنما اختلفوا في تقدير المشروعية، فذهب فريقٌ أنه شرطٌ في صحة الخطبة. وقال آخرون: إنه واجب، ولو خَطَب مِنْ جلوسٍ لَصحَّت الخطبةُ وارتكب إثمًا. والذي اعتمده الحنفية أنه سنة، ولا يبلغ حَدَّ الوجوب، فلو خَطَب قاعدًا مضت الخطبةُ على ما نَقَصَها من أدبٍ كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يحافظُ عليه ما دام حيًّا.