في الواقع أن المذهب الحنبلي انتشر في بغداد في هذا الوقت انتشارًا واضحًا وجليًّا لا غبار عليه ولا يخفي على أحد، فقد كان المنتسبون له كثيرين من وزراء وعلماء وقضاة ومتعلمين وعامة، وإن كان هؤلاء وكثرتهم ليست مقصورة على هذا الوقت بالذات بل كان الأمر في السابق أكثر انتشارًا وأتباعًا فقد كان بعض الخلفاء العباسين ينتسبون إليه، وهذا كله في الواقع من أسباب بقائه وانتشاره في هذا الوقت، كما أن أسباب انتشاره في هذا الوقت ما يتمتع به منتسبوه من القيمة الاجتماعية عند الخلفاء وغيرهم، فقد علا قدرهم وارتفعت قيمتهم عند الخلفاء حتى كان منهم الوزير والقاضي والمسئول عن أمور الخليفة وكثير منهم عمل في الحسبة وفي التدريس والوعظ وإمامة بعض الخلفاء، ومنهم من كان وكيلًا للخليفة ومنهم من ولي ديوان الزمام (١) والتركات وعين على المظالم إلى غير ذلك من المناصب التي لها مساسها بالمجتمع وتدل على رضا الخليفة عن العامل فهذا كله من أسباب انتشار المذهب الحنبلي في ذلك الوقت، ولقد اطلعت على كتاب الذيل على طبقات الحنابلة فوجدت أن عدد من ترجم لهم
(١) هذا الديوان يشبه ديوان المراقبة العامة وديوان المحاسبة أوجده الخليفة المهدي ويقصد به أن الدواوين تجمع لرجل يضبطها بزمام يكون له على كل ديوان، انظر نظام الحكم والإدارة في الدولة الإسلامية، محمد عبد الله الشيباني ص ١٣٠ والتاريخ الإسلامي العباسي، علي إبراهيم حسن، مكتبة النهضة المصرية، مطبعة السنة المحمدية، ص ٥٦٧، تاريخ الدولة العباسية وحضارتها، مجموعة المؤلفين، مقرر ثالثة متوسط معهد علمي الطبعة الثانية، ١٤٠٠ هـ، الحكم والإدارة في الإسلام، ١٥٢.