مَعَنَا" [التوبة: ٤٠] كان هذا – أيضًا – حقًا على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا: معية الاطلاع والنصر والتأييد.
ثم قال: فلفظ المعية قد اسْتُعْمِلَ في الكتاب والسنة في مواضع، يقتضي في كل موضع أمورًا لا يقتضيها في الموضع الآخر. فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها، وإن امتاز كل موضع بخاصية، فعلى التقديرين ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب – عز وجل – مختلطة بالخلق حتى يقال قد صرفت عن ظاهرها. اهـ.
ويدل على أنه ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب – عز وجل – مختلطة بالخلق أن الله – تعالى – ذكرها في آية المجادلة بين ذكر عموم علمه في أول الآية وآخرها فقال: " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " [المجادلة: ٧].
فيكون ظاهر الآية أن مقتضى هذه المعية علمه بعباده، وأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، لا أنه – سبحانه – مختلط بهم، ولا أنه معهم في الأرض.
أما في آية الحديد: فقد ذكرها الله – تعالى – مسبوقة بذكر استوائه على عرشه، وعموم علمه، متلوة ببيان أنه بصير بما يعمل العباد فقال: " هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " [الحديد: ٤].
فيكون ظاهر الآية: أن مقتضى هذه المعية علمه بعباده، وبصره