بأعمالهم مع علوه عليهم واستوائه على عرشه؛ لا أنه – سبحانه – مختلط بهم، ولا أنه معهم في الأرض، وإلا لكان آخر الآية مناقضًا لأولها الدالِّ على علوه واستوائه على عرشه.
فإذا تبين ذلك؛ علمنا أن مقتضى كونه – تعالى – مع عباده أنه يعلم أحوالهم، ويسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، وَيُدَبِّرُ شئونهم، فيحيي ويميت، ويغني ويفقر، ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء إلى غير ذلك مما تقتضيه ربوبيته وكمال سلطانه لا يحجبه عن خلقه شيء، ومن كان هذا شأنه فهو مع خلقه حقيقة، ولو كان فوقهم على عرشه حقيقة (١).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية (ص ١٤٢ / جـ ٣ من مجموع الفتاوى لابن قاسم) في فصل الكلام على المعية قال: (وكل هذا الكلام الذي ذكره الله – سبحانه – من أنه فوق العرش، وأنه معنا حق على حقيقته، لا يحتاج إلى تحريف ولكن يصان عن الظنون الكاذبة). اهـ.
وقال في الفتوى الحموية (ص ١٠٢، ١٠٣ / جـ ٥ من المجموع المذكور): (وَجِمَاعُ الأمرِ في ذلك أن الكتاب والسنة يحصل منهما كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه، وقصد اتباع الحق، وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه، والإلحاد في أسماء الله وآياته.
ولا يحسب الحاسب أن شيئًا من ذلك يناقض بعضه بعضًا ألبتة مثل أن يقول القائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش
(١) قال المؤلف: وقد يبقى أن المعية في اللغة العربية لا تستلزم الاختلاط أو المصاحبة في المكان.