الخالق المحيط بكل شيء مع علوه – سبحانه – من باب أولى، وذلك لأن حقيقة المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان.
وإلى هذا الوجه أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية (ص ١٠٣ المجلد الخامس من مجموع الفتاوى لابن قاسم) حيث قال: (وذلك أن كلمة (مع) في اللغة إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دَلَّت على المقارنة في ذلك المعنى، فإنه يقال:(مازلنا نسير والقمر معنا، أو والنجم معنا)، ويقال:(هذا المتاع معي) لمجامعته لك، وإن كان فوق رأسك، فالله مع خلقه حقيقة وهو فوق عرشه حقيقة). اهـ.
وصدق – رحمه الله تعالى – فإنَّ من كان عالمًا بك مطلعًا عليك، مهيمنًا عليك، يَسمع ما تقول، ويرى ما تفعل، ويدبر جميع أمورك، فهو معك حقيقة، وإن كان فوق عرشه حقيقة؛ لأن المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان.
الوجه الثالث: أنه لو فرض امتناع اجتماع المعية والعلو في حق المخلوق لم يلزم أن يكون ذلك ممتنعًا في حق الخالق الذي جمع لنفسه بينهما؛ لأن الله – تعالى – لا يماثله شي من مخلوقاته، كما قال تعالى:" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "[الشورى: ١١].
وإلى هذا الوجه أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية (ص ١٤٣ / جـ ٣ من مجموع الفتاوى) حيث قال: (وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه – سبحانه – ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو عَليٌّ في دنوه، قريبٌ في عُلوه). اهـ.