للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما ادعوه على الإمام أحمد: فمنه ما لم يصح، ومنه ما لا يصح أن يسمى تأويلًا , لأن التأويل الصحيح هو: صرف الكلام عن ظاهره إلى غيره بدليل , فإذا كان التأويل مبنيًا على حجة لم يكن مذمومًا ولا ممنوعًا , كحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد.

وقد يكون الدليل - كما قال الشيخ - متصلًا في نفس الكلام؛ مثل ما أوضح في الأثر: " الحجر الأسود يمين الله " (١) , وذكر ابن تيمية حديثًا آخر في التدمرية (٢) وهو قوله في الحديث الصحيح: " إن الله يقول يوم القيامة: عبدي مرضت فلم تعدني , عبدي جعت فلم تطعمني " (٣) يقول بعض الغالطين: إن هذا الحديث يجب تأويله! لأن الله يمتنع أن يحتاج إلى الإطعام ويمتنع أن يمرض؛ فالحديث لابد من تأويله، فظاهر الحديث معنى باطل , فأجاب شيخ الإسلام عن هذا بأنه غير صحيح , لأن الحديث ليس هكذا مبتورًا؛ بل الحديث مفسر واضح ما فيه أيُّ إشكال , فإن الحديث فيه: " يا ابن آدم مرضت فلم تعدني. قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنَّ عبدي فلانًا مرض فلم تعده؛ أمَا علمتَ أنك لو عدته لوجدتني عنده " فجعل مرض العبد مرضًا لله , تعظيمًا لشأن ذلك العبد وتأكيدًا لحقه وعيادته , وهكذا الثاني " عبدي جعت فلم تطعمني. فيقول: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! فيقول: بل جاع عبدي فلان فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي " الحديث، يقول الشيخ: فلم يبق في الحديث ما يحتاج إلى تأويل , بل الحديث مفسر واضح، ومن زعم أن ظاهر الحديث: أن الله يجوع ويمرض فهو مبطل , كمن قال: إن ظاهر قوله تعالى: " فويل للمصلين " [الماعون]


(١) سبق تخريجه في صفحة رقم (...).
(٢) التدمرية (٢١٨ وما بعدها)، وسيأتي الحديث عنه في المثال الخامس عشر.
(٣) أخرجه مسلم (٢٥٦٩) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>