للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعًا البينيَّة

ذكرت في مبحث سابق أنَّ البينيَّة من لوازم وصفات الوسطيَّة، وحيث ذكرت ذلك مختصرًا فإنّي أزيده هنا وضوحًا وبيانًا، فأقول:

إنَّ إطلاق لفظ البينيَّة يدلّ على وقوع شيء بين شيئين أو أشياء، وقد يكون ذلك حسًّا أو معنى.

وعندما نقول: إنَّ (الوسطيَّة) لا بدّ أن تتَّصف بالبينيَّة، فإنَّنا لا نعني مجرَّد البينيَّة الظَّرفيَّة، بل إنَّ الأمر أعمق من ذلك، حيث إنَّ هذه الكلمة تعطي مدلولا عمليًّا على أن هذا الأمر فيه اعتدال وتوازن وبُعد عن الغلوّ والتّطرف أو الإفراط والتَّفريط.

وبهذا تكون البينيَّة صفة مدح، لا مجرَّد ظرف عابر.

ومن هذا التَّفسير جاءت علاقة البينيَّة بالوسطيَّة، وقد رأيت جمهورًا من العلماء ربطوا بين الوسطيَّة والبينيَّة، ولا غرابة في ذلك، فإنَّ لهذا أصلا في اللغة والاشتقاق، كما سبق بيان ذلك، وهو المتبادر إلى الأذهان عند إطلاق هذه الكلمة.

ولأهميَّة هذه القضيّة (١) فسأذكر بعض أقوال العلماء، ومن قال بذلك منهم في القديم والحديث:

١- الإمام الطبري: حيث قال في تفسيره: وأنا أرى أنَّ الوسط في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى الجزء، الذي هو بين طرفين، مثل وسط الدّار.


(١) - وذلك أن أحد الباحثين ألَّف رسالة علمية وبناها على عدم التلازم بين الوسطيَّة والبينيَّة، واعتبر أن ذلك خطأ ممن قال به، وهو الأستاذ فريد عبد القادر في رسالته: الوسطيَّة في الإسلام.

<<  <   >  >>