ولذلك فإن الذين حصروا الحديث عن الوسطيَّة في الآيات التي جاء فيها لفظ (الوسط) أو ما اشتق منه، قصروا الكل على بعض أجزائه، وإلا فإن بعض الآيات التي لم يرد فيها لفظ الوسط جاءت أقوى دلالة على الوسطيَّة من آيات ورد فيها هذا اللفظ.
وبيانًا لهذه الحقيقة وتجلية لها، سنعيش مع كتاب الله متأمّلين بعض ما ورد فيه، تقريرًا لهذا المنهج وتأصيلا له.
وتسهيلا للوصول إلى الهدف، سأذكر كل باب وبعض ما ورد فيه من آيات، معلّقًا على بعض الآيات بما يُبينّ المراد من إيرادها، ودلالتها على المنهج الذي نحن بصدده.
وأنبه إلى نقطتين مهمّتين:
الأولى: أن الآيات التي سأذكرها ليست على سبيل الحصر والاستقصاء، وإنما اكتفيت من الآيات بما كان أكثر دلالة من سواه، لأن المراد، هو بيان تقرير القرآن لمنهج الوسطيَّة، لا الحديث عن كل آية وردت تُقرّر منهج الوسطيَّة.
الثانية: أن الأبواب التي سأذكرها هي أبرز الأبواب التي تصلح منطلقًا للحديث عن هذا المنهج، وبخاصة أن انحراف الناس فيها عن منهج الوسطيَّة أكثر من غيرها، ولا يعني ذلك أن ماعداها ليس مهمًّا.