للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن كثير: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} أي ابتدعتها أمَّة النصارى. {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} (الحديد: من الآية ٢٧) أي: ما شرعناها لهم، وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم، {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} (الحديد: من الآية ٢٧) أي: فما قاموا بما التزموه حق القيام، وهذا ذمّ لهم من وجهين:

أحدهما: الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله.

الثاني: في عدم قيامهم بما التزموه، مما زعموا أنه قربة يقرّبهم إلى الله عز وجل (١) .

وهذه الرّهبانية التي ابتدعها النصارى لم يشرعها الله، وهي غلوّ في العبادة، ولذلك كانت النتيجة عدم قدرتهم على المحافظة عليها لمشقّتها وصعوبتها.

وقول الله - جل وعلا -: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} (الحديد: من الآية ٢٧) دليل على أن الله لا يشرع ولا يكلّف بما فيه غلوّ ومشقّة، كما سبق بيانه.

ولقد اعترف عدد من متأخري النصارى بخطأ هذا الغلوّ والرهبنة التي ابتدعها أسلافهم، وأنها ليست من دين الله، ونحن لسنا بحاجة إلى ذلك لأن الله قد بين هذا الأمر في كتابه، ولكن هذا الاعتراف له دلالاته التي لا تخفى. وقد ذكر القاسمي بعض هذه الاعترافات تفصيلا، أذكر نتفًا منها (٢) .


(١) - انظر: تفسير ابن كثير (٤ / ٣١٥) .
(٢) - انظر: تفسير القاسمي (١٦ / ٥٦٩٨) .

<<  <   >  >>