للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهناك من وقف أمام هذا الميل موقفًا مغاليًا، فحرّم على نفسه الطيبات وغيرها، ومنعها من الملاذّ، وما فُطرت عليه من الزواج والمال وأطايب الملابس والمآكل، وهؤلاء يمثلهم رهبان النصارى وغلاة الصوفية، وابتدع النصارى رهبانية قاسية على النفس، تحرم الزواج، وتكبت الغرائز، وترفض كل أشكال الزينة، وطيبات الرزق، وتراها رجسًا من عمل الشيطان، وأصبح هذا النزوع مذهبًا رائجًا (١) .

فهؤلاء رأوا الجسد سجنًا للروح، يحول بينها وبين أشواقها العالية، وشفافيتها السامية، فاخترعوا الرياضيات الروحية الشاقة، التي تقوم على إرهاق الجسد وتعذيبه، وتحوّله إلى شبح هزيل، يسكن المغاور والمقابر والكهوف، وينفر من كل الصلات الإِنسانية (٢) .

وهؤلاء أفرطوا وغلوا، وخرجوا عن سواء السبيل.

والطرف المقابل لهؤلاء، هم الذين انساقوا وراء شهوات أنفسهم، واعتبروا الحياة الدنيا هي الغاية والنهاية، وقالوا: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} (الجاثية: من الآية ٢٤) .

فأغرقوا في الشهوات، وعبدوا أنفسهم للماديات، ولم يعرفوا لهم هدفًا ساميًا يسعون إليه، غير منافع الدنيا العاجلة، ولذائذها الفانية.


(١) - انظر: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للندوي ص (١٨٦) ، والوسطية في الإسلام ص (٤٢) .
(٢) - انظر: المسلمون بين التشديد والتيسير للعودة ص١٣، والوسطية في الإسلام ص٤٤.

<<  <   >  >>