للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الحديث الآخر: «مّنْ بدا جفا» (١) . بالدّال المهملة، خرج إلى البادية، أي: من سكن البادية غلظ طبعه، لقلّة مخالطة النَّاس.

والجفاء غلظ الطّبع.

وفي صفته، صلى الله عليه وسلم ليس بالجافي المهين، أي ليس بالغليظ الخلقة، ولا الطّبع (٢) .

وقال - تعالى -: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} (الرعد: من الآية ١٧) . قال الطبري: وأمَّا الجفاء، فإني حدّثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنَّى، قال: قال أبو عمرو بن العلاء: يُقال: قد أجفأت القدور، وذلك إذا غلت فانصبّ زبدها، أو سكنت فلا يبقى منه شيء.

وقد زعم بعض أهل العربيَّة من أهل البصرة أن معنى قوله: {فَيَذْهَبُ جُفَاءً} (الرعد: من الآية ١٧) تنشفه الأرض، وقال: يقال: جفا الوادي وأجفى: في معنى نشف (٣) .

وقال - تعالى -: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} (السجدة: من الآية ١٦) . قال الطبري: تتنحَّى جنوب هؤلاء الذين يؤمنون بآيات الله، الذين وصفت صفتهم، وترتفع عن مضاجعهم التي يَضْطَجعون لمنامهم، ولا ينامون.

وتتجافى: تتفاعل من الجفاء، والجفاء: النبو.

وإنَّما وصفهم - تعالى ذكره - بتجافي جُنوبهم عن المضاجع لتركهم الاضطجاع للنوم شغلا بالصّلاة.


(١) - أخرجه أحمد (٢ / ٣٧١، ٤٤٠) . وصححه الألباني كما في السلسلة الصحيحة رقم (١٢٧٢) .
(٢) - انظر: لسان العرب مادة (جفا) .
(٣) - انظر: تفسير الطبري (١٣ / ١٣٧) .

<<  <   >  >>