بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم - أشده وقَرُب من الأربعين، واكتملت قواه العقلية والبدنية، وكان أول ما بدأ به من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح واضحة كما رآها في منامه.
ثم بعد ذلك حُبِبَ إليه الخلاء، فكان يخلو بنفسه في غار حراء في مكة، فيتعبد الله الليالي ذوات العدد، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بالطعام والشراب، حتى جاءه الحق، وهو على هذا الشأن بنزول القرآن عليه في شهر رمضان، وذلك بأن تمثل له المَلَكُ جبريل، ولقنه عن ربه أول ما نزل من القرآن، فقال:{اقرأ} فقال ((ما أنا بقارىء)) فقال له: {اقرأ} فقال: ((ما أنا بقارىء)) فقال: {اقرأ} فقال: ((ما أنا بقارىء)) وكان جبريل بعد كل جواب من الأجوبة الثلاثة يضمه على صدره، ويعصره حتى يبلغ منه الجهد.
ولما تركه جبريل في المرة الثالثة ألقى عليه أول آيات أنزلت من القرآن، وهي:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ}{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}{الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}{عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}