ما يخدم هذه الرؤية، والقصة القصيرة طبقا لهذا المفهوم تُعنى بالوصف الخارجي، فالكاتب يأكل العالم بعينيه على حد تعبير أحد النقاد، إذ يقوم بعزل الحدث أولًا، ثم ينكب على وصفه وتشريحه، نرى فيها الشخصيات بكل ماضيها وتكوينها وبيئتها، وتقوم كل كلمة بدورها المحدد في الوصف والإيحاء، وغالبًا ما يكون الهدف من النهاية فيها إحداث صدمة للقارئ، والقصة القصيرة التقليدية تختار موضوعاتها من الواقع، فالحكاية عنصر أساسي فيها، وذلك بعكس القصة القصيرة الحديثة١.
ثانيًا: القصة القصيرة الحديثة:
ظهر-نتيجة للتغيرات السريعة والمفاجئة في الواقع -جيل من الكتاب الجدد يرفض البناء التقليدي الذي يقوم على التسلسل الزمني وتطور أزمة الشخصية حتى انفراجها أو موتها، ورأوا أن التشابك والتداخل والتعقيد الذي أصبح سمة مميزة لعصرنا لابد أن يكون من صلب التشكيل الفني للقصة فتداخلت أجزاؤها وتشابكت أزمانها: الماضي والحاضر والمستقبل، واختفت الشخصية الواضحة المعالم، والحدث النامي المتطور، والعالم الخارجي بملامحه المكشوفة تحت مجهر الوصف، واتجه الكتاب إلى العوالم الداخلية يرصدون آثار التسارع والانعطاف والتحول الهائل في بواطن النفس، وأصبحت اللغة إما تقريرية جافة خالية من الانفعال، أو شعرية محلقة حسب الموقف النفسي أو الاجتماعي الذي تعرض له، وظهر في القصة القصيرة الحديثة منزع عبثي انعكس على الواقع تشويهًا وتدميرًا، فوظف الكوابيس والأحلام والأساطير والأوهام "الفانتازيا"، وبدا من الصعب فهم رؤية الكتاب، وحل محل الفهم التأثر بالمناخ العام الذي توحي به القصة، ولكن - على الرغم من ذلك - ظلت المقومات التالية الأساسية مناط البناء، في القصة القصيرة، وهي المرتكزات الكيانية لكل قصة، فيكاد يتفق معظم الدارسين على أن وحدة الانطباع ولحظة
١ راجع: نادية كامل، في القصة، فصول، العدد الخاص بالقصة القصيرة، المجلد الثاني، العدد الرابع، سبتمبر ١٩٨٢ ص ١٨٧ فما بعدها.