خرج عم صابر في الصباح الباكر ... ولم تزل صفرة الفجر الباهتة ... تعكس أضواءها الخافتة على وجهه الأصفر النحيل ... وصدى خطواته المتعبة من أثر نعاس الليل والسنين ترن متقطعة في أزقة سيدنا الحسين فتردد صداها الزوايا المعتمة، فتبعث في أوصاله رعشة خوف وبرودة.
- يا فتاح يا عليم ... يا رزاق يا كريم.
هتف عم صابر بصوت مرتفع، وهو يتمتم بآية الكرسي، أحس بالراحة والأمان لقد زالت من نفسه رعشة الخوف، ولكن رعشة البرودة لم تفارقه ... ضم أسماله حول رقبته وهو يقوس أكتافه المتهدلة، ويجر خطاه نحو العتبة، وفي ذهنه ترن كلمات زوجته.
"الله يخلي ولادك أبو المعاطي، ها قد وجدت عملًا بعد طول انتظار" ...
نعم فلولا أبو المعاطي لما وجد إلى العمل سبيلًا ... لقد رجته زوجته حين ذهبت لتغسل لهم قبل أيام، ووعدوها بأن يشتغل عنده بالعمارة التي يبنيها بمصر الجديدة.. وها هو الآن يأخذ طريقه إليها بعد أن استدان من أبي محسن البقال خمسة قروش ثمنًا للغداء وأجرة للطريق.
- تذاكر ... تذاكر ...
ناوله ورقة الخمسة قروش، وأخذ منه تذكرة بقرشين وهو يفتح يده ينتظر الباقي.
١ هذه القصة للكاتب نزيه أبو نضال، منشورة في مجلة اللغة العربية بكلية آداب جامعة القاهرة، العدد الأول، أكتوبر ١٩٦٧.