ويصقل اللسان، ويؤسس ملكة الكتابة ويزود الكاتب بمدد لا ينقطع من الحجج والأسانيد، ويأتي الحديث الشريف في المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم؛ فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افتخَر بفصاحته حيث جاء في حديث " أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد بن بكر".
والحفظ من الضرورات التي لا غنى عنها لمن أراد أن يكون فارسًا مجليًا في ميدان الكتابة والتأليف، والذي يراجع وصايا الأدباء والشعراء للناشئة من المبدعين في كتب الأدب القديم كالعمدة لابن رشيق يقع على سرٍّ هامٍّ من أسرار الكتابة والإبداع، فهم يوصون بحفظ الدواوين والمأثورات فضلًا عن حفظ القرآن الكريم، ومعروف في هذا المقام أن الفرزدق كان قد قيد نفسه حتى حفظ كتاب الله كاملًا، كذلك فإن العديد من شعرائنا القدامى قد استظهروا عشرت الآلاف من أبيات الشعر الجيدة حتى إذا تهيأوا للكتابة، والنظم عملوا على نسيانها والتخلص من سلطانها بعد أن استقامت لغتهم واستوت قرائحهم، فالحفظ لا بد منه لإتقان الكتابة، ولكن للحفظ محاذير ينبغي أن ينتبه إلى خطورتها الكاتب وأهمها: الوقوع في أسر التقليد، والاغتراف من مخزون الذاكرة، والاعتماد عليها في الصياغة والأفكار، وبالتالي فإن ذلك يؤدي إلى ضعف القدرة على الإبداع والابتكار والوقوع في حلقة الحصار المحكمة التي تفرضها القوالب التعبيرية المحفوظة، ومن غير المنكور أو المستهجن أن يمر الكاتب في مرحلة التأثر بما يقرأ أو يحفظ فهذه مرحلة لا فكاك منها، ولكن الخطورة تكمن في استمراء هذا المنحى واستسهاله والاستسلام له، من هنا كان لا بد من الاحتراز والوعي باستبعاد المحفوظ، وإطالة التأمل في التجبة، وتمثلها قبل التعبير عنها، فلكل تجربة لغتها الخاصة وأسلوبها المتميز، وكلما انهمك الكاتب في تَمَلِّي تَجْرِبَتِهِ والإحاطة بها من جميع جوانبها كان أقدر على التخلص من حصار التقليد وسلطان النصوص المحفوظة.
وقد عقد ابن خلدون -في مقدمته المشهورة- فصلًا كاملًا عن أهمية الحفظ في تنمية ملكة اللسان والكتابة، وهو الفصل الثامن والأربعون تحت