الخطابة في فترات الانعطاف، وفي إبَّان الأزمات الكبرى، ويكون تأثيرها على العامة أكبر من تأثيرها على ذوي الرأي والمفكرين، من هنا بلغت ذروتها في عصور البداوة كما يرى العديد من الباحثين، والخطابة هي أقرب الفنون النثرية لطبيعة الشعر الغنائي.
الطريق إلى إتقان فن الخطابة:
الخطابة - شأنها في ذلك شأن أغلب فنون القول - ملكة فطرية تُنمَّى بالتحصيل وتطور بالتجربة وتتبلور بالمعاودة والمراجعة والفهم، وقد ينضج الخطيب على نحو مفاجئ تصنعه الأحداث، وتبرزه الحاجة، ويصهره الموقف دون طول إعداد، فالملكات الفطرية في الفن تشرق في النفس دون مقدمات، ومع هذا فإن أصول هذا الفن فيما يرى الباحثون والمنظرون أربعة:
١- الاستعداد الفطري.
٢- الإلمام بالأصول والقواعد التي تقوم عليها الخطابة.
٣- الاطلاع على النماذج المتميزة من الخطب ودراستها والتعرف على مكامن الإجادة منها.
٤- التجربة والمران، فلا بد من التدرب والتمرس، يقول خالد بن صفوان: إنما اللسان عضو؛ إن مرنته مَرن، فهو كاليد تخشنها بالممارسة، وكالبدن تقويه برفع الحجر، والرِّجل إذا عودت المشي مشت، والنسج على منوال الأقدمين له مزالقه، فقد يتمكن الإعجاب بأسلوب المحتذى حتى يصبح الفكاك منه عسيرًا، لذا لا بد من الحذر قدر الإمكان، وإن كان بعض الباحثين يرون الاحتذاء مرحلة لا بد منها قبل أن يصلب عود الخطيب ويشحذ لسانه.