ولسنا مع ذلك الرأي الذي يقول: إنه لا بد للخطيب من بث الغفلة والذهول في القوى المدركة لجمهور السامعين حتى يتقبلوا ما يريد أن يقول١، فهذا أمر نفعي فيه انتهاز غير مشروع، لا ينسجم مع الغاية النبيلة من الخطابة؛ فليس من شأن المقدمة أن تقوم بهذه المهمة، ولكن وظيفتها الأساسية أن تهيء أذهان الحضور، وتوقظ قواهم المدركة لاستيعاب الأفكار والمعاني.
والمقدمة يحددها الموضوع فهي تخضع لطروحاته، ويكون ذلك إما بافتتاح الخطبة بنص بليغ أو بإثارة مجموعة من الأسئلة، وينبغي أن تكون ذات صلة بالموضوع، وإذا كانت الخطبة ذات موضوع عام فمن المستحسن أن تستهل بذكر آية كريمة ذات علاقة بالقضية التي تثيرها أو بحديث شريف، وينصح بعدم إطالة المقدمة والاكتفاء بالتلميح.
وقد يستغني الخطيب عن المقدمة تمامًا وخصوصًا إذا كان الموضوع مثيرًا أو إذا كان الخطيب مضطرًا إلى الدخول في صلب الموضوع دون مقدمات.
ثانيًا: العرض:
يتناول صلب الخطبة فيعالج موضوعها الرئيسي، ويشترط أن يكون العرض حيًا بعيدًا عن الجمود مثيرًا للدهشة والإعجاب وقادرًا على استقطاب أذهان السامعين، وينبغي أن يتوسل الخطيب بما يتناسب مع الموقف من صور وأخيلة وأسلوب فصيح لا يصعب فهمه، ولا يكون ركيكًا مبتذلًا مع الحرص على التلوين والتنويع في الأداء كما أسلفنا، وكلما كانت الأفكار مترابطة ومسلسة كلما كان ذلك أدعى إلى النجاح في عرض الموضوع عرضًا متكاملًا، ولا بأس من الاتكاء على أسلوب القصة أو التمثيل، ولا بأس من الإتيان بالآراء المضادة وتفنيدها، ولا بد أن يتدرج الخطيب في العرض من الأهم فالمهم، ومن العام إلى الخاص.
١ إيليا حاوي في كتابه "فن الخطابة" الذي سبقت الإشارة إليه وذلك ص ١٩.