والإيقاع ليس مجرد تجاوب نغمي يحصل من تآلف الكلمات أو تضافرها في نسق صوتي خاص، بل قد يكون خفيًّا هامسًا، أو بارزًا جهيرًا، أو مستترًا ملحوظًا ينجم عن توالي وحدات صوتية خاصة، على نحو تعاقبي أو تكراري، ونستطيع أن نلمس الإيقاع حين نستعرض بعض الأمثلة والنماذج:
ففي سينية البحتري الشهيرة قول الشاعر في مطلعها:
صنت نفسي عما يدنس نفسي ... وترفعت عن جدا كل جبس
فتوالي السينات وتكرارها على نحو واضح في منظومة صوتية متصلة أدى إلى تكوين إقاع ملمس، يتساوق مع الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر، إذ ينفِّس عن نفسه أثر أزمة ألمت به أن قتل ممدوحه الخليفة المتوكل:
وفي قول الشاعر المتنبي عند إصابته بالحمى متحدثًا عن الطبيب:
وما في طبِّه أني جَواد ... أضر بجسمه طول الِجمِام
إيقاع جهير قوي ناجم عن توالي الحروف المضعفة ذت المخارج المتميزة صوتيًّا، ووجود حروف ذات طابع صوتي جهير كالميمات المتوالية، والياء والدال.
فالشاعر يتحدى المرض معتدًّا بنفسه، مفتخرًا بها لذا جاء الإيقاع منسجمًا مع هذه الحالة النفسية التي يصدر عنها الشاعر في قصيدته.
والجانب الصوتي والإيقاعي للكلمة لا يقتصر على الشعر بل يتعداه إلى النثر، فطه حسين -مثلًا - معروف بولعه الخاص باستخدام الأحوال والمفاعيل المطلقة والتكرار على نحو خاص مما يكسب أسلوبه سمة متميزة.
وينبغي أن ندرك أنه لا يمكن معرفة قيمة الكلمة إلا في ضوء السياق، وهذا ما ألح عليه عبد القاهر الجرجاني في نظرية النظم التي بسطها في كتابه دلائل الإعجاز.