للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجاهليون من كتب حكمهم وعلمهم١؛ وقد تتضمن كتب الأدب والأخبار الجاهلية التي تقص أخبار الجاهلية وأشعارها بما فيها من أيام ووقائع ومنازعات، فتثير الخصومات، وتحيي حمية الجاهلية، مما لا تحمد عقباه. فإذا كانوا آنذاك ينهون عن رواية الشعر الجاهلي الذي يبعث هذه المنازعات، فإن الأولى أن يحرقوا ويمزقوا تلك الكتب التي تشتمل على هذه الأخبار والأشعار.

ثم لا يكاد يمضي من القرن الأول نصفه حتى ترى قيام نادٍ فيه مكتبة عامة تحوي كتبًا في شتى الموضوعات، يؤمها الناس فيقرءون ما يشاءون منها؛ فقد كان "عبد الحكم بن عمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحي قد اتخذ بيتًا، فجعل فيه شطرنجات ونردات وفرقات، ودفاتر فيها من كل علم. وجعل في الجدار أوتادًا، فمن جاء علق ثيابه على وتد منها، ثم جر دفترًا فقرأه، أو بعض ما يُلعب به فلعب به مع بعضهم"٢.

وليس في هذا ما يُستغرب فقد كان عدد القارئين الكاتبين كبيرًا حتى إن الضحاك بن مزاحم -في النصف الثاني من القرن الأول- كان في مكتبة ثلاثة آلاف صبي، وكان يطوف عليهم على حمار٣.

وهل أدل على هذه النهضة العلمية التأليفية المبكرة في القرن الأول من أن خالد بن يزيد بن معاوية -وقد كان خطيبًا شاعرًا وفصيحًا جامعًا وجيد الرأي كثير الأدب- وقد انصرف إلى العلم وتأليف الكتب وترجمة بعضها إلى العربية، فكان أول من ترجم كتب النجوم والطب والكيمياء٤.

ومما يدل على وجود خزائن الكتب في زمن الأمويين، وعلى قدم حركة النقل والترجمة، ما ذكره ابن جلجل في ترجمة ماسرجويه من أنه "كان يهودي


١ انظر ص١٦٥-١٦٩ من هذا البحث.
٢ الأغاني ٤: ٢٥٣.
٣ ياقوت: إرشاد "ترجمة الضحاك بن مزاحم".
٤ البيان والتبيين ١: ٣٢٨.

<<  <   >  >>