للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: تدوين الشعر الجاهلي]

[مدخل]

...

[الفصل الثاني: تدوين الشعر الجاهلي]

-١-

والحديث عن تدوين الشعر الجاهلي لا تستقيم أمامنا طرائقه إلا إذا عبدنا من حوله سبل الحديث عن نشأة التدوين العام وأوائل المؤلفات المدونة. وذلك لأنه لا تخصيص إلا بعد تعميم؛ فإذا كان الأصل الكلي -وهو التدوين عامة- ما زال غامض النشأة، مشكوكًا في بداياته، منكورًا قدمه وسبقه، فإن الفراغ الجزئي -وهو تدوين الشعر الجاهلي بخاصة- لا يصح أن يقوم وحده معلقًا في الفضاء، وحوله سحب الشك والإنكار١.

فإذا أضفنا إلى ذلك أن هذا التدوين العام: سواء أكان تفسيرًا حديثًا أم لغة أم أدبًا عامًا -يشتمل في طياته على شعر جاهلي، بل على شعر جاهلي كثير- استبنَّا، لهذين الأمرين مجتمعين، ضرورة الإلمام بأطراف من نشأة التدوين على أن نوجز القول إيجازًا، ونقتضبه اقتضابًا، ونكتفي منه باللمحة


١ وتفصيل ذلك أن المشهور المتداول أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيت تثقل بالرواية الشفهية جيلاً بعد جيل نحو مائة سنة أو تزيد، حتى قيض لها أن تدون. وأقدم زمن تحدده الروايات لتدوين الحديث يتصل بعهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز.
أما كتب اللغة والشعر والأدب عامة، فإن المعروف أنها لم يبدأ تدوينها إلا في نهاية القرن الثاني الهجري ومطلع القرن الثالث. بل لقد وجد من ينكر هذا التاريخ المتأخر، ويعد ما وصل إلينا من مدونات منسوبة إلى رجال نهاية القرن الثاني لم يكن إلا دروسًا شفهية لم يدونوها وإنما دونها تلامذتهم أو تلاميذة تلامذتهم ثم نسبوها إلى شيوخهم. وبذلك لا يبدأ التدوين، فيما يرى هذا الفريق، إلا في نهاية القرن الثالث الهجري. "انظر ما كتبه المستشرق هـ. أ. ر. جب في مجلة الأدب والفن -السنة الأولى، الجزء الثاني، سنة ١٩٤٣، بعنوان "بدء التأليف النثري" وخاصة من ص١٢-١٨".

<<  <   >  >>