للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الخامس: توثيق الرواة وتضعيفهم]

-١-

إن كان شيء أولى بالشك، وأحرى بالتوقف، وأجدر بالبحث والتمحيص، فهو هذه الأخبار والروايات المتناثرة في صفحات الكتب العربية، التي تدور حول بعض رواة الشعر: تتهمهم بالوضع والنحل، وترميهم بالكذب والافتعال. وسنقصر حديثنا في هذه الصفحات على تلك الأخبار والروايات، وعلى ما فيها من أحكام على الرواة أنفسهم: فيها توثيق لهم حينًا، وتجريح وتضعيف في أكثر الأحيان؛ وذلك لأن بحثنا إنما هو مصادر الشعر الجاهلي، والرواية مصدر أصيل من مصادر هذا الشعر، أو هي المصدر الأصيل إذا أخذناها بمعناها الواسع الذي وضحناه في فصل سابق. أما ما بسطنا فيه القول من دواعي الشك في الشعر الجاهلي وأسباب نحله، فحسبنا ما قدمنا من آراء المؤيدين والمفندين.

ولا بد لنا، حتى يستقيم بين أيدينا وجه البحث وندخل فيه من بابه، من أن نشير إلى قيام مدرستين فكريتين مختلفتين، قامت إحداهما في الكوفة، وقامت الأخرى في البصرة. وقد أدى الخلاف بين هاتين المدرستين إلى أن يتعصب علماء كل مدرسة لمدرستهم، وأن يجرحوا هم وتلاميذهم علماء المدرسة الأخرى وتلاميذها ويضعفوهم ويرموهم بالوضع والكذب والتزيد. ولسنا نحب أن نوسع مجال البحث فنعرض للقبائل العربية التي استوطنت كل مصر من هذين المصرين، وما أدى إليه ذلك من عصبية قبلية قد يكون لها أثر فيما نحن بسبيله من بحث، ولا نريد كذلك أن نعرض للاتجاه السياسي في البصرة والكوفة منذ زمن عثمان وعلي ثم في

<<  <   >  >>