للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زمن بني أمية، فإن ذلك كله سيقودنا إلى إطالة نحن في غنى عنها في هذا المجال. ولكننا نحب أن نبين في وضوح وجلاء، الطابع الفكري المميز الذي تفردت به كل من البصر والكوفة في الفقه، واللغة والنحو، والشعر والأخبار.

أما الكوفة فيبدو أنها كانت أسبق من البصرة إلى العناية بالحديث والفقه، وذلك لأنه "هبط الكوفة ثلاثمائة من أصحاب الشجرة، وسبعون من أهل بدر"١؛ وكان فيها أيضًا ستون شيخًا من أصحاب عبد الله "بن مسعود"٢". وكان في بني ثور الذين نزلوا الكوفة "ثلاثون رجلًا ما فيهم رجل دون الربيع بن خثيم"٣ وكان من أثر نشاط حركة الفقه والفتيا في الكوفة أن شهد لها بعض علماء المدينة -وهم من مدرسة في الحديث مخالفة- فمن ذلك ما روي عن "عبد الجبار بن عباس عن أبيه قال: جالست عطاء فجعلت أسائله، فقال لي: ممن أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة؛ فقال عطاء: ما يأتينا العلم إلا من عندكم"٤.

بل لقد شهد لهم بالتقدم بعض علماء البصرة، فقد: "قال رجل للحسن: يا أبا سعيد، أهل البصرة أو أهل الكوفة؟ قال: كان عمر يبدأ بأهل الكوفة، وبها بيوتات العرب كلها وليست بالبصرة"٥. وقال مسعر: قلت لحبيب بن أبي ثابت: هؤلاء أعلم أم أولئك؟ قال: أولئك "يعني أهل الكوفة"٦.

ومع ذلك فقد كان الحديث وروايته في الحجاز أسبق وأقدم من الكوفة "فأكثر الصحابة كانوا بالمدينة، وهم أعرف الناس بحديث رسول الله، وأخبر بقوله وعمله، وحتى من رحل منهم إلى العراق وسائر الأمصار فإنما كانوا عارية


١ ابن سعد، الطبقات ٦: ٤-٥.
٢ المصدر السابق: ٥.
٣ المصدر السابق: ٥.
٤ المصدر السابق: ٥.
٥ المصدر السابق: ٦.
٦ المصدر السابق: ٦.

<<  <   >  >>