[الفصل الثاني: وضع الشعر الجاهلي ونحله عند الأقدمين]
-١-
الوضع والنحل والانتحال كلها ظواهر أدبية عامة، لا تقتصر على أمة دون غيرها من الأمم، ولا يختص بها جيل من الناس دون غيره من الأجيال فقد عرفها العرب كما عرفتها الأمم الأخرى التي كان لها نتاج أدبي؛ وعرفها العصر الجاهلي كما عرفها العصر الأموي والعصر العباسي، بل كما لا يزال يعرفها عصرنا الحاضر الذي نحيا فيه، على الرغم من وسائل الحضارة الحديثة التي كانت قمينة أن تبرئ نتاجنا من هذه الظواهر لو كان ثمة سبيل إلى الخلاص منها. فشيوع الكتابة شيوعًا عامًّا، وانتشار الطباعة بصورها المتعددة وأنماطها الكثيرة، لم يحولا دون أن ينسب إلى شاعر شعر لم يقله ولا يدري من أمره شيئًا، ولم يستطيعا أن يذودا عن شعر قاله صاحبه بغي المعتدين وسطوة المدَّعين المنتحلين.
ولم يكن الوضع أو النحل أوالانتحال مقصورًا على الشعر وحده، بل لقد شمل كل ما يمت إلى الأدب العام بسبب: كالنسب والأخبار منذ الجاهلية نفسها. ولقد بدأ الكذب والوضع في الحديث النبوي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحسبنا من كل ذلك لمحة عابرة ننتقل بعدها إلى تخصيص الحديث في الشعر وحده فمما يدل على أن الوضع والكذب في النسب قديم منذ الجاهلية وعصر الرسول أن النبي عليه السلام كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبه معد