للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصح ما روي من أن معاوية بن أبي سفيان قال١ "قصيدة عمرو بن كلثوم وقصيدة الحارث بن حلزة، من مفاخر العرب، كانتا معلقتين بالكعبة دهرًا" كان هذان دليلين على معرفة القول بأمر المعلقات وكتابتها وتعليقها قبل حماد بدهر.

أما اعتراض المحدثين فقد تحدثنا -في كل ما كتبنا- عن نفي الشق الأول منه، وأبنَّا في وضوح أن الجاهلية العربية عرفت الكتابة معرفة قديمة واسعة، واستخدمتها في جل شئونها، وكتبت بعض شعرها وأخبارها وأنسابها، ودونتها في صحف وكتب ودواوين. فالقول إذن بأمية الجاهلية فرض واهم يجب أن نُسقط جميع ما رُتب عليه من نتائج باطلة.

وأما الشق الثاني من اعتراض المحدثين فهو كذلك لا يثبت للنظر والتحقيق؛ إذ إن عرب الجاهلية كانوا يعلقون وثائقهم وكتاباتهم ذات القيمة في الكعبة لقداستها في نفوسهم، وذلك إظهار لعلو مكانة هذه الوثائق والكتابات ولبيان قيمتها وخطرها. وأوضح مثال على أن تعليق هذه الكتابات كان أمرًا مألوفًا متعارفًا عند عرب الجاهلية ما ذكره محمد بن حبيب عن حلف خزاعة لعبد المطلب، قال٢: " ... وكتبوا بينهم كتابًا، كتبه لهم أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة ... ثم علقوا الكتاب في الكعبة".

ومثل ثان:

هذه الصحيفة التي كتبتها قريش حينما اجتمعت على بني هاشم وبني عبد المطلب ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدًا على أنفسهم٣. وقد بقيت هذه الصحيفة في الكعبة دهرًا، فلما أخرجوها بعد ذلك وجدوا أن الأرضة لم تدع في الصحيفة إلا أسماء الله٤.


١ الخزانة ٣: ١٦٢.
٢ ديوان حسان بن ثابت، مخطوط بمكتبة أحمد الثالث ورقة: ١٥-١٦.
٣ ابن هشام، السيرة ١: ٣٧٥-٣٧٦.
٤ المصدر السابق ٢: ١٦ وانظر مثلًا تعليق العهود في الكعبة في العصور الإسلامية، في مروج الذهب ٣: ٤٠٤.

<<  <   >  >>