للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشعراء؟ قال: لأنه كان لا يعاظل في الكلام، وكان يتجنب وحشي الشعر، ولم يمدح أحدًا إلا بما فيه ... ثم قال: أنشدني له. قال ابن عباس: فأنشدته حتى برق الفجر.

وقال عمر بن الخطاب لعض ولد هرم١: "أنشدني بعض مدح زهير أباك، فأنشده. فقال عمر: إنه كان ليحسن فيكم المدح. قال: ونحن والله إن كنا لنحسن له العطية. قال: قد ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم. وفي رواية عمر بن شبة: قال عمر لابن زهير: ما فعلت الحلل التي كساها هرم أباك؟ قال: أبلاها الدهر. قال: لكن الحلل التي كساها أبوك هرمًا لم يبلها الدهر.

وقال عمر للوفد الذين قدموا من غطفان٢: من الذي يقول:

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب

قالوا: نابغة بني ذبيان. قال لهم: فمن الذي يقول هذا الشعر:

أتيتك عاريًا خلقًا ثيابي ... على وجلٍ تُظن بي الظنون

فألفيت الأمانة لم تخنها ... كذلك كان نوح لا يخون

قالوا: هو النابغة. قال: هو أشعر شعرائكم.

ومن أحكام عمر النقدية التي سارت وشاعت -غير حكمه المشهور على زهير- قوله حينما سئل عن الشعراء٣ "امرؤ القيس سابقهم، خسف لهم عين


١ البغدادي، الخزانة ٢: ٢٩٢.
٢ العقد ٦: ١٢٠-١٢١، وانظر الأغاني "دار الكتب" ١١: ٤-٥.
٣ الأغاني ٨: ١٩٩، والفائق ١: ٣٤٣. افتقر: أنبط وأغزر. يريد أنه أول من فتق صناعة الشعر، وفنن معانيها وكثرها وقصدها، فاحتذى الشعراء على مثاله. وقد جعل للشعر بصرًا صحيحًا. والمراد أن امرأ القيس قد أوضح؟؟؟ ولخصها وكشف عنها الحجب، وجانب التعويص والتعقيد؛ كأنه قال: فتح الشعر أصح بصر مجاوزًا للمعاني العور متخطيًا لها.

<<  <   >  >>