للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك "يقومون ما انحرف من شعره وما فيه من السناد"١.

ووجدنا الرواة يقولون٢: أخطأ ذو الرمة حيث يقول:

قلائص ما تنفك إلا مناخة ... على الخسف أو نرمى بها بلدًا قفرًا

ومن أجل ذلك غيره بعض الرواة "ممن يريد أن يحسن قوله" فجعلوه: آلًا مناخة. وقالوا: إنما قاله ذو الرمة على هذا. وكان إسحاق الموصلي ينشده: آلًا، ويقول: نحتال لصوابه٣.

وقال الأصمعي٤: قرأت على خلف شعر جرير فلما بلغت قوله:

فيا لك يومًا خيره قبل شره ... تغيب واشيه وأقصر عاذله

فقال خلف: ويله، وما ينفعه خير يؤول إلى شر؟ فقال الأصمعي له: هكذا قرأته على أبي عمرو. فقال: صدقت وكذا قاله جرير، وكان قليل التنقيح مشرد الألفاظ، وما كان أبو عمرو ليقرئك إلا كما سمع. فقال الأصمعي: فكيف كان يجب أن يقول؟ قال: الأجود له لو قال: فيا لك يومًا خيره دون شره. فاروه هكذا، فقد كانت الرواة قديمًا تصلح من أشعار القدماء. فقال له الأصمعي: والله لا أرويه بعد هذا إلا هكذا.

فخلف إذن يعلم أن الرواة كانوا قديمًا يصلحون من أشعار القدماء! وهو في أثناء حديثه يسوغ هذا الإصلاح إذا كان الشاعر "قليل التنقيح مشرد الألفاظ".

ومن هنا كان من العسير على الرواة، فيما يبدو، أن يجدوا في شعر شاعر يتروى في شعره، وينقحه ويهذبه، كزهير مثلًا، ما يصلحونه له. ولذلك نرى من


١ الأغاني ٤: ٢٥٨.
٢ الموشح: ١٨٤.
٣ الموشح: ١٨٢.
٤ الموشح: ١٢٥، وانظر أيضًا العمدة ٢: ١٩٢-١٩٣ ورد ابن رشيق على هذا التصحيح.

<<  <   >  >>