للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو ديوان القبيلة والتلاميذ يتابعون القراءة في نسخ بين أيديهم أو يستمعون لمن يقرأ؛ وعلى ما يلقيه الأستاذ الشيخ من تصحيح لبعض الأخطاء، أو ذكر لوجوه الروايات، أو تفسير لغريب الألفاظ، أو شرح للمعنى العام وذكر جوه التاريخي وحوادثه وأخباره. وقد يضاف إلى هذين الرحلة إلى البادية أو الاستماع إلى من يفد منها من الأعراب.

ويبدو أن هذه الطبقة من الرواة العلماء -بهذا التعريف الذي قدمناه والتحديد الذي قيدناه به- لم تكن موجودة فبل مطلع القرن الثاني الهجري، وربما كان أول شيوخها الذين مهدوا الطريق لمن تبعهم فكانوا هم الرواد السابقين: أو عمرو بن العلاء "المتوفى سنة ١٥٤"، وحماد الراوية "المتوفى سنة ١٥٦".

ومن هنا كان قول ابن سلام١: "وكان أول من جمع أشعار العرب وساق أحاديثها: حماد الراوية". ومن هنا أيضًا قالوا٢: "كان خلف الأحمر أول من أحدث السماع بالبصرة، ذلك أنه جاء إلى حماد الراوية فسمع منه، وكان ضنينًا بأدبه". وقد أخذ عن هذين العالمين: أبي عمرو وحماد سائر من نعرف من شيوخ العلم والرواية كخلف الأحمر، والمفضل، والأصمعي، وأبي عبيدة، وأبي عمرو الشيباني. وأخذ عن هؤلاء من تلاهم: كابن الأعرابي، ومحمد بن حبيب، وأبي حاتم السجستاني. ثم أخذ عن هؤلاء السكري وثعلب وأضرابهما.

وقد انقسم هؤلاء الرواة العلماء إلى مدارس، فكانت ثمة مدرسة البصرة، ومدرسة الكوفة، ومدرسة المدينة، ومدرسة بغداد. وكان تلاميذ كل مدرسة وعلماؤها يتعصبون لمدرستهم ولشيوخهم، ويوثقون روايتهم، ويجرحون شيوخ المدرسة الأخرى، ويضعفون روايتهم، ويتهمونهم بالوضع والنحل والكذب.

وسنشير إلى هذه المدارس والخلاف بين شيوخها وتلامذتها، وما نتج عن هذا الخلاف من طعن وتجريح وتضعيف في فصل تالٍ.


١ طبقات فحول الشعراء: ٤٠.
٢ أبو البركات الأنباري، نزهة الألباء: ٣٧.

<<  <   >  >>