٢- والشبه كبير بين الشعرين العربي الجاهلي والهومري في الصفات العامة للتعبير الشعري، فهما يتسمان بالنضارة والغضارة والبساطة، وبالفتنة التي نعزوها إلى "طفولة العالم" عند اليونان، و"سذاجة البداوة" عند العرب. ومع ذلك فما أشبه الشعر الجاهلي العربي بالشعر الهومري الذي "تعالى عن خشونة الشكل، وتجنب الصراع الناشب بين المعنى واللفظ، وارتفع عن الحوشي المبتذل من أساليب القول، واستطاع أن يحتفظ بمستواه الرفيع حفظًا متزنًا، وبذلك تجنب هذه الخصائص التي يتصف بها الأدب في عصره البدائي. وهذه الميزات العامة هي التي يصفها ماثيو أرنولد -في محاضراته الممتازة عن ترجمة هومر- حيث يقول: إن لأسلوب هومر أربع مزايا كبرى: فهو منساب متدفق، سهل ميسور في فكرته، واضح في خياله، ونبيل سامٍ"١.
٣- ولقد اختلف العلماء من دارسي الأدب في تدوين هذين الشعرين:
الجاهلي العربي والهومري الإغريقي. فذهب فريق منهم إلى أنهما لم يكتبا منذ أن نُظما، بل بقيا محفوظين في صدور الرجال ترويهما الأجيال المتعاقبة وينشدهما الأفراد في المجالس والمحافل قرونًا طوالًا قاربت الثلاثة عند العرب وأربت على ذلك عند الإغريق. وذهب فريق آخر منهم إلى أن هذا الشعر قد كتب منذ أن قاله شعراء العرب في الجاهلية وهومر عند اليونان. أما تفصيل هذا الأمر عند العرب فقد بسطنا فيه القول في الفصول المتقدمة وسنعود إليه في مواطن متفرقة فيما سيلقانا من صفحات. وأما تفصيله عند اليونان فهو ما سنوضحه بعد قليل.