وإنما تعدى ذلك كله إلى النقد الدقيق القائم على الفهم العميق لطبيعة كل من الشعرين واستشفاف روح، والتنبه لما تسرب إليه من دخيل منحول وزائف مصنوع. ونبتت في نقد هاتين المدرستين ويقظتهما الواعية الجذور الأول التي أخذت تنمو وتعمق حتى بلغت مداها في القرن الثامن عشر عند الألمان، واكتملت صورتها عند ولف في كتابه "المقدمة Prolegomena"، ونشأ منها ما يعرف في النقد الحديث "بالمشكلة الهومرية Homeric Question"؛ وتأثرها -فيما يبدو- دارسو الشعر الجاهلي من المحدثين، معتمدين على ما تنبه له القدامى من مدرسة البصرة والكوفة، فقامت عندهم منذ مطلع القرن العشرين مشكلة أخرى عُرِفت باسم "نحل الشعر الجاهلي"، بدأها المستشرق الإنجليزي مرجليوث، واكتملت صورتها عند الأستاذ الدكتور طه حسين. وسنعود بعد قليل إلى بسط الحديث في هاتين النقطتين الأخيرتين.
أو ليس إذن من المفيد حقًّا -بعد أن عرضنا هذه الوجوه الكثيرة للتشابه القريب بين الشعرين- أن نستبين جهود الدارسين من العلماء الأوربيين الذين بحثوا في الشعر الهومري؟ وأن نعرف، على وجه التخصيص، ما وصلوا إليه من أمر النقاط الثلاث التي قدمنا الإشارة إليها، وهي: مَنْ نظم الإلياذة والأوديسة وصحة نسبتهما إلى هومر؛ ووسيلة حفظ الشعر الهومري: أكانت الرواية الشفهية أم الكتابة؛ ثم المدارس اللغوية القديمة التي درست شعر هومر ونقدته بعد أن جمعته ودونته؟
-٢-
أما من الذي نظم الملحمتين الهومريتين١ فموضوع لم يصل الدارسون له،
١ القصيدتان الهومريتان هما الإلياذة والأوديسة، والنص على أنهما هومريتان لا يتضمن في هذا المجال أن شاعرًا مفردًا بعينه هو ناظم القصيدتين أو ناظم إحداهما.