للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعًا: هذه الجاليات الأجنبية الكبيرة التي كانت تفد على الجزيرة العربية فتقيم فيها وتطيل المقام، بل تتخذ منها موطنًا آخر تقضي فيه حياتها وتنشئ فيه ذريتها. فكانت هذه الجاليات مختلفة الأديان والأجناس والأهداف: فمنهم النصراني واليهودي والمجوسي والوثني؛ ومنهم الفارسي والرومي والمصري والهندي والحبشي؛ ومنهم من جاء الجزيرة للتجارة فافتتح فيها دورًا للهو من غناء وشراب وبغاء، ومنهم من جاءها فأنشأ فيها مستعمرات زراعية فعمر الأرض وأثارها هناك؛ ومنهم من جاءها لغير هذا وذاك كالبعثات التبشيرية الدينية التي انبثت في أنحاء الجزيرة وجاست خلالها وانتشرت بين أهلها وأقامت البيع والصوامع والأديرة في المدن والصحراء١.

خامسًا: هذه الجماعات والأفراد من العرب أنفسهم الذين كانوا يفدون على فارس وبلاد الروم والحبشة ومصر للتجارة حينًا، وللتعرض لعطاء الملوك والسادة حينًا آخر، ولطلب العلم والهداية حينًا ثيالثًا. أما التجار العرب فكانوا يضربون في الأرض ضربًا بعيدًا فيصلون إلى أقصى ما كان يعرف من عالمهم آنذاك٢.


١ عقد ابن حبيب النسابة "في المحبر ٣٠٦-٣٠٨" فصلًا ذكر فيه أبناء الحبشيات في الجزيرة العربية، غير ما نجده من أسماء الحبشيات مبثوثًا في بطون المراجع الأخرى. وفي سيرة ابن هشام "ط. بولاق ١: ٥٧" ذكر لجالية حبشية من النصارى. وفي أسد الغابة أسماء كثير من الروم والروميات "١: ٢١٢، ٤: ٢٣٢، ٥: ١٩٤، ٤٦٢، ٤٨٠" وفي سيرة ابن هشام "١: ٦٥" ذكر لرجل قبطي نجار بمكة، وفي "١: ٦٢" ذكر ليهودي من الشام قدم على بني قريظة وأقام عندهم، وفي "١: ١٤٧" ذكر لنصراني من أهل نينوى، وفي "٣: ٤٥" ذكر لنبطي من نبط الشام قدم بالطعام يبيعه بالمدينة.
٢ مثل: هاشم وكان متجره إلى الشام فهلك بغزة، وعبد شمس وكان متجره إلى الحبشة، والمطلب وكان متجره إلى اليمن، ونوفل وكان متجره إلى العراق. وهم أصحاب الإيلاف من قريش "راجع لذلك المحبر لابن حبيب ص١٦٢-١٦٤، والسيرة، بولاق ١: ٤٧".

<<  <   >  >>