للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صالح من الشعر الشعبي وفيه دليل على الحيوية الظاهرة في هذا الشعر حتى حينما يُجهل ناظمه وتكون مميزاته غير واضحة المعالم، وكان ذلك الشعر أيضًا على غير مثال أدبي سابق، وإنما كانت وسيلة نقله الرواية الشفهية. فكأنما كان هذا الشعر مثلًا يوضح النظرية الولفية في افتراضها الأساسي. وأوضح ما يصف لنا ميزات القرن الثامن عشر والفرق بينه وبين القرن التاسع عشر ما ذكره جوته١ Gothe فقد كان جوته تحت تأثير السحر الولفي، وقد وصف ما جاء في كتابه "المقدمة" بأنه "قطعي وحتمي وذاتي"، ثم تأرجح رأيه إلى أن استقر أخيرًا على الرأي القديم حينما استطاع أن يتثبت من "وجود هومر ثانية"، وكان ذلك بعد أن انتهت "أعمال القرن الثامن عشر القائمة على التمزيق والتقطيع"، وابتدأت روح "التنسيق والترتيب" -كما كان يسميها هو نفسه- في القرن التاسع عشر.

ولم يكن جوته وحده هو الذي تأثر بسحر النظرية الولفية ثم نفض عن نفسه هذا السحر، بل إن آخرين كانوا مثله، ومن أهمهم نيتش٢ Nitzsch فقد خلف لنا اعترافًا ذا قيمة بعد أن اختبر بنفسه أعاصير الخصومة في المشكلة الهومرية، فبعد أن ألف كتابًا بذل فيه جهدًا ضخمًا يدعم تعدد التأليف -مما يوضح ويفسر نظم قصيدتين ملحمتين في مثل هذا الطول- عاد فرد على نفسه واعترف بوحدة التأليف في الملحمتين!

ومع ذلك فإن ألمانيا في القرن التاسع عشر بقيت في أغلبها ولفية، وبالرغم من نشوء نظريات مضادة لنظرية ولف، وردود العلماء عليه في حياته وبعد وفاته، فإن جمهرة العلماء في ألمانيا ما زالوا ولفيين حتى يومنا هذا٣. وأما في


١ جديس، مشكلة القصيدتين الهومريتين: ١٢-١٣.
٢ المرجع السابق: ١٤ في الهامش.
٣ المرجع السابق: ١٣.

<<  <   >  >>