للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يعرضوه على العلماء. وليس لأحد -إذا أجمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال شيء منه- أن يقبل من صحيفة، ولا يروي عن صحفي. وقد اختلف العلماء في بعض الشعر، كما اختلفت في بعض الأشياء، أما ما اتفقوا عليه، فليس لأحد أن يخرج منه".

وقد روى لنا أن خلاد بن يزيد الباهلي -وكان حسن العلم بالشعر يرويه ويقوله، قال لخلف بن حيان الأحمر١: "بأي شيء ترد هذه الأشعار التي تُروَى؟ قال له: هل فيها ما تعلم أنت أنه مصنوع لا خير فيه؟ قال: نعم.

قال: أفتعلم في الناس من هو أعلم بالشعر منك؟ قال: نعم. قال: فلا تنكر أن يعلموا من ذلك أكثر مما تعلمه أنت.

ومن هذا القسم أيضًا ما أشرنا إليه قبل قليل من حديثه عن محمد بن إسحاق وصنيعه في السيرة، فقد قال عنه إنه كان٢ "ممن أفسد الشعر وهجنه وحمل كل غثاء منه،.... فقبل الناس عنه الأشعار، وكان يعتذر منها ويقول: لا علم لي بالشعر، أوتى به فأحمله. ولم يكن ذلك له عذرًا. فكتب في السير أشعار الرجال الذين لم يقولوا شعرًا قط، وأشعار النساء فضلًا عن الرجال، ثم جاوز ذلك إلى عاد وثمود، فكتب لهم أشعارًا كثيرة ... " ووصف حمادًا الراوية بأنه٣ "كان ينحل شعر الرجل غيره، وينحله غير شعره، ويزيد في الأشعار".

وقال أيضًا٤ "فلما راجعت العرب رواية الشعر، وذكر أيامها ومآثرها، استقل بعض العشائر شعر شعرائهم، وما ذهب من ذكر وقائعهم، وكان قوم قلت وقائعهم وأشعارهم، وأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع والأشعار، فقالوا على ألسن شعرائهم. ثم كانت الرواة بعد، فزادوا في الأشعار التي قيلت.


١ طبقات فحول الشعراء: ٨.
٢ المصدر السابق: ٨-٩.
٣ المصدر السابق: ٤٠-٤١.
٤ المصدر السابق: ٣٩-٤٠.

<<  <   >  >>