ينتشر هذان الدينان في البلاد العربية دون أن يكون لهما أثر ظاهر في الشعر العربي قبل الإسلام. وقد رأيت أن العصبية العربية حملت العرب على أن ينحلوا الشعر ويضيفوه إلى عشائرهم في الجاهلية بعد أن ضاع شعر هذه العشائر، فالأمر كذلك في اليهود والنصارى: تعصبوا لأسلافهم من الجاهليين، وأبوا إلا أن يكون لهم شعر كشعر غيرهم من الوثنيين، وأبوا إلا أن يكون لهم مجد وسؤدد كما كان لغيرهم مجد وسؤدد، فنحلوا كما نحل غيرهم ونظموا شعرًا أضافوه إلى السموءل بن عادياء وإلى عدي بن زيد وغيرهما من شعراء اليهود والنصارى ... ".
ثالثًا- القصص:
وقد عرض للقصص والقصاصين غير مرة فيما سبق من فصول كتابه، ولكنه في هذا الفصل يخص القصص والقصاصين بالحديث كله. فبعد أن يتحدث عن نشأة القصص وقيام طائفة القصص يقول١: "وأنت تعلم أن القصص العربي لا قيمة له ولا خطر في نفس سامعيه إذا لم يزينه الشعر من حين إلى حين.... وإذن فقد كان القصص أيام بني أمية وبني العباس في حاجة إلى مقادير لا حد لها من الشعر يزينون بها قصصهم، ويدعمون بها مواقفهم المختلفة فيه. وهم قد وجدوا من هذا الشعر ما كانوا يشتهون. ولا أكاد أشك في أن هؤلاء القصاص لم يكونوا يستقلون بقصصهم، ولا بما يحتاجون إليه من الشعر في هذا القصص، وإنما كانوا يستعينون بأفراد من الناس يجمعون لهم الأحاديث والأخبار ويلفقونها، وآخرين ينظمون لهم القصائد وينسقونها. ولدينا نص يبيح لنا أن نفترض هذا الفرض، فقد حدثنا ابن سلام أن ابن إسحاق كان يعتذر عما يروي من غثاء الشعر فيقول: لا علم لي بالشعر، إنما أوتَى به فأحمله. فقد كان هناك قوم إذن يأتون بالشعر وكان هو يحمله. فمن هؤلاء القوم؟ أليس