الأصمعي: ما أروي للأغلب إلا اثنتين ونصفًا.... قال أبو حاتم: طلب إسحاق بن العباس الهاشمي من الأصمعي رجز الأغلب، فطلبه مني، فأعرته إياه، فأخرج منه نحوًا من عشرين قصيدة. فقلت للأصمعي: ألم تزعم أنك لم تعرف إلا اثنتين ونصفًا؟ فقال: بلى، ولكن انتقيت ما أعرف، فإن لم يكن له فهو لغيره ممن هو ثبت أو ثقة١.
د- وبعد؛
فمنذ مطلع القرن الثاني الهجري، وبعده بقليل، قامت طائفة من العلماء الرواة من أمثال أبي عمرو بن العلاء وحماد الراوية ثم المفضل وخلف الأحمر وهم الطبقة الأولى من العلماء الذين عرفتهم العربية في تاريخها الحافل؛ فتلقوا تراث الجاهلية: شعرها وأخبارها وأنسابها؛ وصلهم بعضه مدونًا في دواوين كاملة ضمت تراث القبيلة كله أو شعر شاعر فرد من شعرائها، ووصلهم بعضه مكتوبًا في صحف متفرقة، ثم وصلهم بعضه عن طريق الرواية الشفهية التي كان يتناقلها الخلف عن السلف. فحملوا الأمانة، ومضوا يجمعون ما تفرق من هذا التراث.
وينظمون منه ما تجمع، ويضيفون إليه ما لم يكن فيه مما ثبتت لهم صحته، وينفون عنه ما ثبت لهم زيفه وفساده. ولم يألوا جهدًا في التثبت والتحقيق والتمحيص والمدارسة، حتى استقام لكل منهم ما تيقن صحته، فمضى يذيعه على تلامذته في حلقات دروسه، ويشيعه في رواد مجالس علمه، فخلف من بعدهم خلف هم الطبقة الثانية من العلماء الرواة تأسَّوا بشيوخهم واقتفوا سبيلهم، يجمعون ويدرسون ويمحصون ويفحصون، ثم يستقيم لكل منهم ما يتيقن صحته، فيذيعه على تلاميذه من علماء الطبقة الثالثة.
ومع ذلك فقد كان لا بد لبعض هؤلاء العلماء من أن يختلفوا: فقد وقع لبعضهم من الصحف المكتوبة، أو الدواوين المدونة، أو الرواة من الشيوخ العلماء ومن الأعراب الفصحاء مالم يقع كله لغيره، ثم كان لكل طائفة من