للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو ممهدين بين يدي حديثهم الأصيل تمهيدًا موجزًا يدخلون منه إلى الحديث عما يقصدون فيكاد يكون حديثهم عن الجاهلية حديثًا عابرًا منثورًا نثرًا متباعدًا في تضاعيف كتبهم وثنايا رسائلهم. ومن هنا كان لا بد للدارس المدقق، الذي يبحث في العصر الجاهلي، من أن يقرأ الكتاب العربي القديم قراءة متمعنة دقيقة، يجرده فيها جردًا كاملًا من عنوانه حتى ختامه، لا يغنيه عن ذلك تبويب الكتاب، ولا هذه الفهارس الدقيقة الشاملة التي يضعها المحدثون للطبعات الحديثة من تلك الكتب القديمة.

وكان من أثر هذا الذي قدمنا أن أخبار حضارة الجاهلية جاءت في هذه الكتب ناقصة شائهة، ثم متناقضة متنافرة في الكتاب الواحد للمؤلف الواحد.

ولكن الصفة الغالبة والسمة الظاهرة التي لا يكاد يشذ عنها كتاب قديم، هي وصف تلك الجاهلية بأنها كانت قليلة الحظ من كل عمران ورقي، بعيدة عن كل مظهر من مظاهر الحضارة والمدنية، وأن العرب كانوا أمة أمية جاهلة لا حظ لها من علم أو معرفة أو كتابة.

ولتجهيل الجاهلية في الكتب العربية أمثلة عديدة أكثر من أن تُستقصى، وحسبنا منها بعضها الذي يشير إلى أميتهم وجهلهم بالكتابة:

قال الجاحظ١: "وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال.. ثم لا يقيده "العربي" على نفسه ولا يدرسه أحدًا من ولده. وكانوا أميين لا يكتبون".

مع أن الجاحظ نفسه، الذي ينكر على العرب معرفتهم بالكتابة، ويعمهم بوصف الأمية، لا ينكر على أي جنس من الأجناس وأمة من الأمم ذلك، فيقول٢: "وليس في الأرض أمة بها طرق أو لها مسكة، ولا جيل لهم قبض وبسط، إلا ولهم خط ... ".

وابن سعد في طبقاته يسمِّي عددًا كبيرًا من الرجال كانوا يكتبون في الجاهلية،


١ البيان والتبيين ٣: ٢٨.
٢ الحيوان ١: ٧١.

<<  <   >  >>