للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير أن هذا الوصف بالأمية لا يعني -في رأينا- الأمية الكتابية ولا العلمية، وإنما يعني الأمية الدينية، أي أنهم لم يكن لهم قبل القرآن الكريم كتاب ديني، ومن هنا كانوا أميين دينيًّا، ولم يكونوا مثل "أهل الكتاب" من اليهود والنصارى، الذين كان لهم التوراة والإنجيل.

ومن الأدلة التي نسوقها للاحتجاج لهذا الرأي أن القرآن الكريم قد وصف فريقًا من أهل الكتاب بالأميين، وذلك في قوله تعالى:

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: ٧٨، ٧٩] . فأمية هذا الفريق ليست أمية كتابية؛ لأنه قد أخبر أنهم كانوا يكتبون بأيديهم، وإنما هي أمية دينية، أي جهل بالدين وإنكار له وعدم تصديق، ومن أجل هذا فسر ابن عباس هاتين الآيتين فيما رواه ابن جرير الطبري بإسناده إليه١، قال: "ومنهم أميون؛ قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولًا أرسله الله، ولا كتابًا أنزله الله، فكتبوا كتابًا بأيديهم، ثم قالوا لقوم سفلة جهال: هذا من عند الله. وقال: قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أميين، لجحودهم كتب الله ورسله".

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب".

فلا ينقض ما قدما من رأي، وذلك لأنه قال ذلك في حديث الصيام عن رؤية الهلال، وفي الحديث بقية، وهو كاملًا: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا".


١ تفسير الطبري، تحقيق محمود محمد شاكر ٢: ٢٥٨-٢٥٩؛ وانظر كتاب "المرأة في الشعر الجاهلي" للدكتور أحمد محمد الحوفي، ص٣٣٣-٣٣٤.

<<  <   >  >>