للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البابليين أو الفينيقيين أو المصريين القدماء في إبان حضارتهم. فهل كانت الكتابة شائعة عند الإغريق والفينيقيين والمصريين القدماء؟ أحسب أن نعم. وهل كان شيوعًا عامًّا يشمل كل فرد في تلك الأمم؟ أو كان تعميمًا غالبًا يشمل الكثرة الكاثرة منها؟ سؤال لا سبيل إلى القطع فيه، ولكن المنطق المادي لتاريخ أدوات الكتابة وآلاتها يجعلنا نرجح أن الشيوع العام الشامل أو التعميمي الغالب عسير المنال في مثل تلك الأطوار التاريخية. بل ما لنا نبعد والأمثلة قريبة بين أيدينا؟ فهل الكتابة شائعة الآن في البلاد العربية؟ لا ريب أنها كذلك، وأمثلة شيوعها واضحة في هذه الجامعات والمعاهد العالية، والمدارس المختلفة، والمطبوعات والمنشورات والصحف؛ فهل شيوعها عام شامل لكل فرد، أو هو تعميمي غالب يشمل الكثرة الكاثرة؟ الحق أنه لا هذا ولا ذاك. ومع أننا نفتقد الإحصاء الدقيق إلا أن المعروف أن شيوع الكتابة في البلاد العربية، لعصرنا هذا, لا يشمل إلى نسبة ضئيلة من قطان هذه البلاد تتراوح بين عشرين وثلاثين لكل مائة. أما الثمانون أو السبعون الباقون من كل مائة فما زالوا بعديدين عن أن تصل إليهم معرفة الكتابة. ومع أن هذه النسبة للكاتبين نسبة ضئيلة إلا أنه عددهم كبير، فهم -على قلتهم- يعدون بالملايين.

فنحن إذن لا نقصد بشيوع الكتابة بين عرب الجاهلية أن كل عربي آنذاك كان كاتبًا، بل لا نقصد أن الكثرة الغالبة كانت كاتبة، وإنما نقصد أن الكتابة كانت أمرًا معروفًا مألوفًا شائعًا عند قومنا آنذاك، كما كانت الأمية شائعة منتشرة؛ وأن عدد الكاتبين كان كبيرًا، كما كان عدد الأميين كبيرًا. أما تحديد العدد وتحديد النسبة فأمران لا سبيل لنا ولا لغيرنا إلى بيانهما.

بقي أمران يتم بهما هذا الفصل، أولهما: استقراء الموضوعات التي كان عرب الجاهلية يكتبونها، وثانيهما: الكشف عن أدوات الكتابة وآلاتها آنذاك.

<<  <   >  >>