والثاني: أنّ هذا الوصلَ المراد لم يبّن كيف يكون، أقبل إِنْ أم بعدها؟ فإن اتصال الشئ بالشئ يكون من كلتا جهتيه، ولذلك تقول:«وصلتُ الكلام بعضه ببعض، تريد: وصلتُ أوّله بآخره، وأخَرهُ بأوّله. وإذا كان كذلك فمن الواجب بيانُ اتصال الفعلِ بإنْ، هل يكون الفعلُ متقدّما على إنْ أو متأخّرًا عنها؛ إذ لا يعرف ذلك إلا بالنّقْلِ والنصّ عليه. ولذلك اعتنى أبو القاسم بهذه المسألة، فبوّب لها بابًا مستقلًا فقال: باب الجمع بين إنّ وكان»، ونص على تقديم إنّ، فَتَرْكُ الناظمِ بيانَ ذلك تقصيرٌ.
والجواب عن الأول: أن العرب تقول: وَصَلَ الشئُ بالشئ/: إذا اتصل به. فهو يتعدّى ولا يتعدّى، كرجَعَ ورجعتُه، ووقف ووقفتُه، وعَمَر المنزلُ وعمرتُه؛ وإذا ثبت ذلك فلعلّ الناظم عدّى هذا الفعل بالهمزة بناءً على أنه مقيس، كما تقول: ذهب وأذهبته، وقام وأقمته، وقعَد وأقعدتُه؛ فيكون مُوصلًا من أوصلتُ الشئ بالشئ، المعدّى من وصل بمعنى اتّصل، ولا يكون فيه اعتراضٌ.
وعن الثاني: أن وَصْلَ الشئِ بالشئِ يجرى في العرف على معنى الوصل من آخر، ولذلك إذا أرادوا الوصل من أوّلٍ عدلوا عن هذا اللفظ إلى لفظ «ألحقت» أو إلى لفظ أدخلت، فيقول: كذا على كلمة كذا، أى أوصلتها بها من أولها. فلفظُ الوصل في العرف المستعمل له خصوصيّةٌ