هَبْ، ولا في تعلَّمْ؛ لأنّ التعليق نوع من التصرف، هما غير متصرفين في أنفسهما، وعلى ذلك وضعهما. وكذلك لا يجوز في أفعالِ الصيرورة؛ إِذ لا معنى له فيها، فالكلام مستقيم بخلاف أفعال الصيرورة فإنه لا معنى لها في ذلك؛ فلذلك قال الناظم:«وخُصّ بالتعليقِ والإلغاِ ما .. من قَبْلِ هَبْ». وقد مرّ تمثيل الإلغاء، وأما مثال التعليق فنحو: علمتُ لزيدٌ قائم، وظننتُ ما زيدٌ منطلق. ومنه قوله تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ في الآخرةِ مِنْ خَلَاقٍ}.
وما: منصوبة الموضع على المفعوليّة بخصّ، على أنّه فِعلُ أمر المخاطب. ويحتمل أن تكون مرفوعة الموضع به، وهى مفعولُ ما لم يُسمّ فاعله، على أنه فعل ماض مبني للمفعول.
وقوله:«والأَمْرَ هَبْ قَدُ أُلْزِما»، يعنى: هَبْ قد مُنِع من التصرّف وألزِمَ صيغةَ الأمر، فلا يستعمل منه ماضٍ ولا مضارعٌ، فلا تقول: وهب زيدًا منطلقًا، ولا أهبُ زيدًا أخاك. وإنما يستعملُ في الأمر خاصة. والأمر مفعول ثانٍ لألزِمَ، على حذف المضاف، أى أُلزِمَ صيغةَ الأمرِ.
وقوله:«كَذَا تَعَلّمْ»، يعنى أنه مثلُ هَبْ في عدمِ تصرّفه وإلزامهِ صيغة الأمر فلا يستعمل منه ماضٍ ولا مضارع. وهذا كلّه فيهما سَمَاعٌ، وإلا فالقياس قابلٌ لتلك التصرّفات، لكنه لا يعملُ هاهنا ذلك القياس للمعارض الأقوى، وهو أنا فهمنا من العرب اقتصارها فيهما على ما ذكر، وأنّها لم تَقْصِد فيهما إطلاق القياس. والعربُ قد تهمل بعض التصرفات على غير قصد، وهذا هو الذى يجرى فيه القياس، فيستعمل ما أهملت؛ إذ لم تتركه لأجل أن يتبع في تركه، وقد تهمل بعضها قصدًا إمّا للاستغناء بغيره، كما أهملت وَدَع استغناءً بترك،