فعلته حذر، جواب لقوله: لم فعلت كذا؟ وقولك: قتلته صبرا، جواب لقوله: كيف قتلته؟ فالأول سؤال عن السبب، والآخر سؤال عن الكيفية، وبينهما بوْن، ولا يصح أن يقع أحدهما موقع الآخر، قال سيبويه:"واعلم أن هذا الباب أتاه النصب كما أتى الباب الأول ولكن هذا -يعني باب قتلته صبرا- جواب لقوله: كيف قتلته؟ كما كان الأول جوابا لقوله: لمه؟ " ولنرجع إلى تفسير كلامه بعد ما تبين اختياره:
ينصب مفعولا له المصدر إن ... أبان تعليلا كجد شكرا ودن
المفعول له هو: الاسم المنتصب بالفعل على أنه علة في وجوده، بهذا حده بعضهم، وقيل هو: السبب الذي له يقع ما قبله، وهو بمعنى الأول؛ وذلك أنك إذا قلت: قصدتك ابتغاء الخير، فالابتغاء علة في وجود القصد، وهو قول الناظم:"إن أبان تعليلا" أي إن أبان سبب الفعل وعلته الذي لأجله أوقع الفاعل الفعل، والحاصل من كلام الناظم أن المفعول له: هو ما اجتمع فيه أربعة أوصاف.
أحدها: أن يكون مصدرا، وهو المشار إليه بقوله:"ينصب مفعولا له المصدر" فلو كان غير مصدر لم يصح أن ينتصب على المفعول له، كقولك: جئت لزيد، وأتيت لك أي لأجلك، فما كان هكذا فلا ينصب بل يلزم الجر باللام، ولا تحذف أصلا؛ قال بعضهم:"لأن اللام إنما تحذف من المصدر هنا تشبيها به إذا اقتضاه فعله المشتق منه، وغير المصدر لا يشبه ذلك المصدر"، وللزوم الجر تعليل آخر، وهو أنه لو انتصب لوقع اللبس بينه وبين غيره؛ لو قلت: فعلتك هذا، وأنت تريد: فعلت لك هذا، بخلاف المصدر؛ إذ لا لبس فيه إذا قلت: فعلت هذا حذرًا من زيد.