مذهبه فيها، وإنما الذي لا يغتفر له أن يطلق مثل هذه العبارة من غير أن يكون قد بين وجه المسألة في الكتاب أصلًا، فلا تناقض في كلامه إذا حملنا عبارته هنا على التسامح. والجمع بين الكلامين ولو بوجه ما أولى. والله أعلم.
ولما كان القسم الأخير من أقسام المبهم وهو المشتق لا ينتصب ظرفًا مع كل فعل، وإن فرض وقوعه فيه، بل له اختصاص ببعض الأفعال دون بعض أخذ يبين ذلك فقال:
وشرط كون ذا مقيسًا أن يقع ... ظرفًا لما في أصله معه اجتمع
ذا: إشارة إلى أقرب مذكور، وهو ما صيغ من الفعل كمرمى من رمى، ويريد أن من شرط كون هذا القسم مقيسًا أن يقع ظرفًا للفعل الذي اجتمع معه في أصله، وأصله الحروف الأول التي بني منها، ومعنى ذلك أن يكون العامل فيه إما الفعل المشتق من مصدره نحو: قعدت مقعد زيد، وقمت مقامك، أو اسم فاعله أو اسم مفعوله نحو: أنا قاعد مقعدك، وزيد مقام مقام عمرو، ونحو ذلك، فلو لم يجتمع اسم المكان مع عامله في أصله لم يصح عمله فيه قياسًا، فلو قلت: قعدت مقام زيدٍ، واعتكافك مقعد عمروٍ لم يجز؛ لأن العامل لم يجتمع مع اسم المكان في الحروف الأول التي هي أصله. وفي هذا الكلام إشارة إلى ثلاث مسائل:
إحداها: أنه قد يأتي مثل: اعتكافك مقعد زيد سماعًا لقوله: "وشرط كون ذا مقيسًا"، ولم يقل:"وشرط وجود ذا" فدل على أنه قد يجيء ويكون غير مقيس، وذلك نحو قولهم: هو مني منزلة الشغاف، وهو مني منزلة الولد، وأنت مني مقعد القابلة، وهو مني مقعد الإزار، وهو مني مزجر الكلب، ومناط الثريا، وأنشد سيبويه للأحوص: