والثانية: أن كلامه صريح في أنه لا يقاس الظرف هنا، وإن كان الفعل مرادفًا لما اشتق منه الظرف، فلا تقول قعدت مجلسًا، ولا جلست مقعدًا، ولا ذهبت منطلقًا، ولا ما أشبه ذلك. وقد نص ابن خروف على امتناع: نزل مني مقعدًا، أو قعد مني منزلة؛ لأن المصدر ليس من لفظ الفعل، واستدل بقول سيبويه:"ويتعدى إلى ما اشتق من لفظه اسمًا للمكان وإلى المكان" فقيد تعدي الفعل إلى الظرف المشتق بكونه مشتقًا من لفظ الفعل، ومثل ذلك بقولك:"ذهبت المذهب البعيد وجلست مجلسًا، وقعدت المكان الذي رأيت" وهذا بين في اشتراط ما قال الناظم، ومنع ما عداه.
والثالثة: أن تخلف ذلك الشرط غير مقيس، خلافًا لمن خالف فقد أجاز الأخفش في كتابه: مررت مقعد القابلة منك بزيد، فيظهر من هذا أنه لا يقتصر على المواضع المسموعة حيث سمعت، بل يعديها إلى غيرها، وذلك معنى القياس، وإذا كان كذلك فالناظم لم يرد ذلك؛ لأنه لم يكثر كثرةً يقاس عليها. وعلى ذلك الأئمة، فما رآه هو الأولى. وما في قول الناظم:"لما في أصله" واقعةٌ على العامل في الظرف، وهو الواقع فيه، والعائد عليها فاعلُ اجتمع، والضمير في:(معه وأصله) عائدان على الظرف الذي أشير إليه بذا، كأنه قال: للمظروف الذي اجتمع مع الظرف في أصل الظرف. وأن يقع وما بعده خبر قوله:(وشرط).
ثم قال:
وما يرى ظرفًا وغير ظرف ... فذاك ذو تصرفٍ في العُرْف