فجعل الجر بمن تصرفًا ثم قال:"فعلوا ذلك لأن معنى سواء معنى غير" فقد تبين أن من عنده كإلى وغيرها من حروف الجر، ولم يقل ذلك سيبويه إلا بعد تحقق أن لا فرق بين حروف الجر في ذلك، وكون بعض الحروف يكثر في الدخول على الظروف أو يقل أمرٌ آخر لا يقدح في دعاء التصرف بدخوله إلا أن من الظروف ما يقل التصرف فيه فلا يتعدى به محل السماع، ومنها ما يكثر ذلك فيه، فيحكم له بحكم التصرف على الإطلاق، وقد قسم هو الظرف المكاني إلى الأقسام الأربعة، فإذا وجدنا ظرفًا دخلت عليه من حكمنا بتصرفه في ذلك الموضع، فإن توارد عليه تصرف آخر وكثر ذلك فيه أطلقنا القياس فيه، وإلا وقفنا القياس وتلقينا السماع بالقبول في موضعه، وعلى هذا نقول: إن ما كثر دخول من عليه دون غيرها كثرةً يتعدى بها محلها جعلنا التصرف فيه بمن دون غيرها قياسًا، كحيث فإن دخول من عليها كثيرٌ جدًا بحيث لا يتوقف استعمال من معها على السماع، بخلاف دخول لدى عليها فإنه نادر فلا نقيسه بل نقفه على مثل:
* لدى حيث ألقضت رحلها أم قشعم *
وكذلك دون في استعمالها فاعلًا وخبرًا بنفسها، وهذا ظاهر جدًا. وإذا تبين هذا صار الخلاف لفظيًا في تسمية ما جر بمن دون غيرها متصرفًا، فالناظم ومن رأى رأيه هنا يسمي ما جر بمن أو غيرها متصرفًا من حيث أخرج عن النصب على الظرفية، ولكن لا يسميه متصرفًا بإطلاق، بل تصرفت العرب فيه على الجملة. وهذا التصرف قد يكون قياسًا في محله إذا كثر، وقد لا يكون كذلك. ولا يكون متصرفًا بإطلاق في الحكم بالجر بمن وحدها، ولا بإلى أو غيرها وحدها، بل لا بد من ضمائم أخر، كتنكيره، وتعريفه، واستعماله فاعلًا أو مفعولًا وما أشبه ذلك، فهي قرائن منضمة بمجموعها يحكم على الظرف بالتصرف المطلق، وهو ظاهر كلام سيبويه إذا جمع أوله