أما الأول: فلا نسلم أن حق الحال تعدي الفعل إليه بواسطة إذا تعدى إلى صاحبه بها، بل حقه الاستغناء عنها لشبهه بالظرف، ولذلك يعمل فيه ما لا يتعدى بحرف كاسم الإشارة، وغيرهما.
وأما الثاني: فإن المجرور بحرف أصل للمجرور بالإضافة أو كالأصل له فلا يصح له أن يحمل حال المجرور عليه؛ لئلا يكون الأصل تابعًا للفرع عكس القاعدة، وأيضًا فالمضاف إليه بمنزلة الموصول مع الصلة، والحال بمنزلة جزء الصلة فيجب تأخيره، وحال المجرور بحرفٍ/ لا يشبه جزء الصلة، فأجيز تقديمه.
وأما الثالث: فالرف ظاهر؛ فإن جالسه منصوب بمررت وهو فعل متصرف لا يفتقر في نصب الحال إلى واسطة كما لا يفتقر إليها في نصب الظرف والمصدر، وحرف الجر الذي عداه إلى صاحب الحال لا عمل له إلا الجر، ولا جيء به إلا لتعدية مررت، والمجرور به بمنزلة المنصوب فيتقدم حاله كما يتقدم حال المنصوب. وأما متكئًا في مسألة التنظير فمنصوب بفي لتضمنها معنى الاستقرار، وهي رافعة لضميرٍ هو صاحب الحال فلم يجز تقديمه (متكئًا) على (في)؛ لأن العمل لها وهي عامل ضعيف فمانع التقديم في: زيد في الدار متكئًا مفقود في: مررت بهندٍ جالسة. فهذا وجه ضعفها، وإذا فُرضت قوية لم تُعتبر لوجود السامع مخالفًا لها كما تقدم. وهذا الوجه هو الذي اعتمد الناظم في الرد؛ إذ قال:"ولا أمنعه فقد ورد". والصواب_ والله أعلم_ مع النحويين دون ابن مالك، لأنهم لم يأتوا بوجه المنع إلا بعد استقراء كلام العرب، وأنهم لم يجدوا التقديم إلا في شعر لا يجعل وحده مأخذ قياس، أو في الآية الكريمة مع احتمالها وعدم نظير لها في ظاهرها، ومعارضة الاستقراء للقياس في المسألة، فحينئذ جزموا بمنع المسألة، وأولوا الآية الكريمة حين لم يجدوا لها في الكلام