فإن قيل: فكذلك الأمر في (حتى) و (مذ) و (منذ) عند المبرد هو مما يقاس، فكان أولى أن ينبه عليه.
قيل: إنما تعرض الناظم للتنبيه على السماع، والمبرد لا سماع له في مذهبه، وإنما يقول بمقتضى القياس، كما أجاز (أعطاهوني) و (منحتنيني) قياسًا، وإن لم يسمع، فاقتصار الناظم على ما اقتصر عليه حسن.
وقوله:(كذاكها ونحوه أتى) يعني أنه أتى نزرًا أيضًا.
ثم شرع في الكلام على الحروف على التفصيل فقال:
بعض وبين وابتدئ في الأمكنة ... بمن وقد تأتي لبدء الأزمنة
وزيد في نفي وشبهه فجر .... نكرة كما لباغ من مقر
فابتدأ في ذكر معاني هذه الحروف حرفًا حرفًا. وقبل الشروع في شرح كلامه لابد من إيراد سؤال يسأل عنه ابن مالك في هذا النظم وغيره من تواليفه؛ بل هو سؤال وارد على جميع من تكلم في حصر معاني هذه الحروف حتى إن باب حروف الجر صار غالب ما يذكر فيه تفسير معانيها بحيث صارت الأحكام المتعلقة بها في القياس أقلية بالنسبة إلى تفسير المعاني، ولا شك أن هذا نحلة اللغوي لا نحلة النحوي من حيث هو نحوي، فمن تعرض لتفسير معاني الحروف وصيرها كالأمر الضروري في صناعة النحو فليتعرض لتفسير معاني الأسماء والأفعال وحينئذ يصير لغويًا ولا نحويًا، أو ليترك تفسير الجميع حتى يكون تحويًا فقط وهو الأحق، لأن غيره تخليط لبعض العلوم ببعض.
فالجواب عن هذا: أن حروف المعاني على الجملة مما يحتاج في إدراك